السبت، 6 ديسمبر 2014

مقدمة كتاب كلام نسوان

■ هذا الكتاب يمكن وصفه بأنه "ألبوم" يجمع صوراً كثيرة من النوع الضاحك عن المرأة في أكثر من حالة ، وإن كانت معظم هذه الصور الكلامية تدور حول المرأة – الزوجة بشكل خاص! 

وهو في تعبير أدق "ألبوم" للمقالات الساخرة التي نشرة في زاوية "إلى اللقاء" بجريدة "البيان" خلال عامي 1980 و 1981 ، وهي مجموعة مختارة من تلك المقالات التي سببت لي بعض المتاعب الشخصية، التي تعودت عليها باعتبار أنني أعمل منذ سنوات في "مهنة المتاعب" ... أي الصحافة!

وكانت فكرة إصدار هذه المجموعة من المقالات الساخرة في كتاب من النوع الخفيف قد راودتني أخيراً واقتنعت بهذه الفكرة خصوصاً وأن القارئ العربي قد أثبت أنه يقبل على مطالعة المقالات الساخرة بالرغم من الاقتناع السائد لدى البعض بأن مثل هذه الكتابات ليست سوى مضيعة للوقت ولا أكثر ولا أقل، ولكنني، منذ فترة طويلة، ونتيجة للتجربة العملية، مقتنع بعكس ذلك ، وذلك للأسباب التالية: 


أولاً : أن الجمهور العربي بشكل عام يقبل على الأعمال المسرحية الكوميدية الخفيفة والمضحكة والمسلية والمفيدة في وقت واحد، وهذا أمر ثابت بالنسبة للمسارح العربية في طول العالم العربي وعرضه، حيث نجد بعض المسرحيات الكوميدية الناجحة يستمر عرضها على خشبة المسرح لعدة سنوات دون أن تفقد جاذبيتها للجماهير. في حين أن الأعمال المسرحية المعقدة و "الهادفة" لا تلاقي مثل هذا الرواج، بل هي على العكس تعاني دائماً من قلة المشاهدين وأحياناً يصل عدد الممثلين فيها إلى ضعف عدد الجمهور الموجود في الصالة! وهذه المسألة ذات وجهين، فهي تؤكد من جهة أن جمهور المسرح العربي يريد أن يشاهد أعمالاً مفهومة ومقبولة وتظهر من جهة ثانية أن الأعمال المسرحية الرفيعة المستوى ذات التعقيد الفكري الشديد لا يمكن أن تلائم القطاع العريض من جمهور المسرح العربي إطلاقاً. 

ثانياً: في مجال الفنون العامة مثل الغناء والموسيقى نجد أن أكثر أنواع الغناء انتشاراً في العالم العربي هو النوع الشعبي القريب إلى القلب والسمع، وهذه حقيقة موجودة في كل دول العالم تقريباً. وكلنا نعرف أن التراث الغنائي دائماً يميل إلى تصوير المشاعر العفوية التي يتم التعبير عنها بكلمات بسيطة واضحة ويغلب عليها طابع المرح عموماً، وهو أمر مفهوم بالنسبة للطبيعة البشرية التي تنزع إلى البساطة وانطلاق المشاعر والأحاسيس على سجيتها دون تعقيد أو صنعة أو تكلف! 

ثالثا: في التراث الأدبي الشعبي نكتشف أن نوادر جحا مثلاً هي الأكثر انتشاراً بين السواد الأعظم من الشعوب العربية، وكذلك نوادر البخلاء التي سجلها الجاحظ في كتابه الخالد، كما أن كتاب "ألف ليلة وليلة" الذي ذاع صيته على المستوى العالمي لا يخلو من القصص والحكايات ذات الطابع الظريف والممتع، كما أن الأمثال الشعبية الشائعة في العالم العربي يغلب عليها طابع الحكمة الشعبية الضاحكة أو المثيرة للضحك، مثل "طنجرة ولقت غطاها" أو "المنحوس منحوس ولو علق فانوس" وغيرها من الصور الضاحكة التي تعكس بساطة الحكمة الشعبية البعيدة عن الفلسفة والتعقيد! 

وحتى بالنسبة للمناهج الدراسية المقررة، فإن معظمها يسقط من ذاكرة الإنسان في مرحلة ما بعد التخرج والدخول في الحياة العملية، ولكن تبقى الصور الضاحكة من أبيات الشعر القديم والحديث ،وكتب القراءة العربية، والفلسفة والتاريخ هي التي تظل عالقة في الذهن على مر السنوات. وأنا مثلاً لا اذكر من قصائد المتنبي أكثر من هجائه اللاذع لكافور الأخشيدي، أو قصائد ابن الرومي التي يصف فيها أحد البخلاء بأنه لشدة بخله يتمنى لو يتنفس بمنخر واحد، أو لحية ذلك الشخص التي تشبه مخلاة الحمير، أو ذلك الأحدب الذي يبدو وكأنه يتوقع أن تنزل على قفاه صفعة شديدة!

وبما أن جميع هذه الشواهد تدل على مدى شغف القارئ العربي عموماً بالأعمال الخفيفة الضاحكة في المسرح والغناء والتراث الشعبي، فإن السؤال يظل: لماذا تفتقر المكتبة العربية إلى الكتب الضاحكة أو الأعمال الأدبية الساخرة؟ 
إنني من خلال تجربتي الشخصية في مجال الصحافة اكتشفت أن الغالبية الساحقة من قراء الصحف يفضلون المقالات والموضوعات الخفيفة. ولقد سبق لي أن ساهمت في إصدار ملحق فكاهي لجريدة "القبس" الكويتية في عام 1976 ولقي هذا الملحق نجاحاً ساحقاً كان أفضل تعبير عنه ارتفاع معدل توزيع الجريدة بشكل سريع، وكذلك رسائل القراء التي كانت تصل بالمئات ومعظمها تحتوي على مواد فكاهية للنشر في ذلك الملحق، فكانت مناسبة لاكتشاف العديد من المواهب المغمورة في الكتابة الساخرة والضاحكة بين جماهير القراء. 

وفي تاريخ الصحافة العربية هناك شواهد تاريخية تؤكد مدى إقبال القراء على الصحافة الضاحكة واللاذعة، فقد كانت مجلة "البعكوكة" في طليعة الصحف الواسعة الانتشار في مصر، كما كانت مجلة "المضحك المبكي" تلاقي رواجاً عظيماً في سوريا، وكذلك مجلة "الفاكهة" في العراق ومجلة "الدبور" في لبنان. 

وفي الصحافة الأجنبية مازالت الصحافة الساخرة تحتل مكانة بارزة في أوروبا وأميركا، ويصل توزيع بعضها إلى مئات الألوف يومياً أو أسبوعياً. ولهذا كله، اخترت أن أجمع المقالات المتفرقة التي نشرت في "البيان" لكي تضمها صفحات هذا الكتاب الذي أرجو أن يكون إضافة متواضعة للكتابة الساخرة التي نشكو من ندرتها في سوق الكتاب العربي منذ سنوات طويلة فعلاً. 

عبد الكريم بيروتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.