الأحد، 23 نوفمبر 2014

حرب 1812 وحرق واشنطن


■ كانت حرب عام 1812 نزاعا عسكريا استمر لعامين ونصف بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا ومستعمراتها في أمريكا الشمالية وحلفائها من السكان الأصليين من جهة أخرى. من وجهة النظر الأميريكية والكندية كانت حرب 1812 حربا كاملة بحد ذاتها ، أما في أوروبا فكان غالبا ما ينظر إليها على أنها مسرح للحروب النابوليونية ، حيث أن أسبابها كانت مرتبطة بتلك الحروب. 

حلّت تلك الحرب العديد من الأمور العالقة إبان حرب الثورة الأمريكية ، لكنها لم تسفر عن أي تغيير في رسم الحدود. أعلنت الولايات المتحدة الحرب في الـ 18 من يونيو/حزيران عام 1812 بناءً على أسباب عديدة منها القيود التجارية التي تسببت فيها حرب بريطانيا مع فرنسا، وتجنيد البحّارة من التجار الأمريكيين في البحرية الملكية البريطانية ، بالإضافة إلى الدعم البريطاني للقبائل الهندية ضد التوسع الأميريكي ، والغضب الذي انتاب الولايات المتحدة نتيجة الإهانات التي لحقت بالشرف الوطني الأمريكي جراء عمليات الإذلال التي تعرضت لها قوتها في أعالي البحار ، إلى جانب الاهتمام الأمريكي المحتمل بضم أجزاء من الأراضي البريطانية في أمريكا الشمالية والتي تعد جزءا من كندا اليوم. 

قامت حرب عام 1812 على ثلاثة محاور أساسية. الأولى كانت على المحور البحري ، حيث عمدت السفن الحربية وسفن القرصنة من الجانبين إلى مهاجمة السفن التجارية التابعة للطرفين ، بينما قامت القوات البحرية البريطانية بمحاصرة الساحل الأطلنطي للولايات المتحدة ، وشنت غارات ضخمة في المراحل الأخيرة من الحرب.

أما المحور الثاني فكان بمثابة معارك بحرية وبرية وقعت على الجبهة الأمريكية الكندية ، والتي امتدت بطول البحيرات العظمى ، وفي نهر ساينت لورنس ، وفي الطرف الشمالي لبحيرة شامبلان. أما المحور الثالث فكان في الجنوب الأمريكي وساحل الخليج الذي شهد أيضاً معارك كبيرة على الأرض تمكنت فيها القوات الأمريكية من إلحاق الهزيمة بحلفاء بريطانيا من قبائل الهنود ، واحتلال بريطانيا بالقوة لنيو أورلينز. في نهاية الحرب وقّع الطرفان معاهدة غنت Ghent التي أعاد بموجبها الطرفان الأراضي المحتلة إلى مالكيها قبل الحرب ، كما استئنفت العلاقات التجارية الودية. 

مع انشغال غالبية القوات البحرية البريطانية في أوروبا بمعاركها في الحروب النابوليونية، لجأ البريطانيون إلى استخدام استراتيجية دفاعية في مقاطعاتها الكندية الشمالية والجنوبية لصد الغزوات الأمريكية الأولية. بيّنت تلك الاستراتيجية أن غزو كندا سيكون أصعب مما كان متوقعا بالنسبة للقوات الأمريكية. لكن الأمريكيين تمكنوا من السيطرة على بحيرة إيري عام 1813 وأحكموا سيطرتهم على أجزاء من غرب أونتاريو ناهين بذلك الأمل في إنشاء كونفيدرالية للهنود الحمر ودولة مستقلة بهم في الغرب الأوسط برعاية بريطانية.

في إبريل/نيسان من عام 1814 مع هزيمة نابليون بونابرت، تبنت القوات البريطانية استراتيجية أكثر هجومية ، حيث أرسلت جيوشا غازية بعديد كبير إلى أمريكا الشمالية. في سبتمبر/أيلول من عام 1814 قام البريطانيون بغزو واحتلال شرق (ماين). ونجح الجنرال أندرو جاكسون في الجبهة الجنوبي غربية في تدمير القوة العسكرية لقبائل هنود الكري في معركة هورس شو بند Horseshoe Bend. أما النصر الذي حققه البريطانيون في معركة بلادنزبرغ Bladensburg في شهر آب/أغسطس من عام 1814 فقد سمح لهم بالسيطرة على واشطن العاصمة وإحراقها ، إلا أن هجماتهم صُدت خلال محاولة للسيطرة على بالتيمور. 

نجحت الانتصارات الأمريكية في سبتمبر/أيلول عام 1814 في معركة بلاتسبرغ Plattsburgh بصد اجتياح القوات البريطانية لنيويورك ، وذلك إلى جانب الضغوط التي مارسها التجار على الحكومة البريطانية ، ما دفع الدبلوماسيين البريطانيين إلى التخلي عن مطالبهم ، بحسب اتفاقية غنت ، بدولة مستقلة للهنود كمنطقة عازلة ، وبمطالبات بريطانيا الإقليمية التي سعت لندن للحصول عليها سابقاً. اتفق الطرفان على معاهدة سلام عاد بموجبها الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب. غير أن خبر توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين لم يصل إلى قادة السفن البريطانية في المحيط الأطنلطي إلا بعد مرور ستة أسابيع ، حيث تلقت تلك القوات هزيمة كبيرة في يناير/كانون الثاني من عام 1815 في نيو أورلينز. 

كان لحرب عام 1812 أثراً إيجابياً على الولايات المتحدة حيث كان لها أثر بالغ فيما أطلق عليه اسم عهد المشاعر الطيبة The Era of Good Feelings والذي اختفت فيه تقريبا العداوة الحزبية ، وذلك في مواجهة الرغبة بتقوية مشاعر القومية الوطنية الأمريكية. 

أما في المقاطعات الشمالية والجنوبية الكندية ، فكانت الانتصارات التي حققتها القوات البريطانية وميليشات المقاطعات على الجيوش الأميريكية الغازية ، بمثابة علامة بارزة روّجت إلى ظهور الهوية الكندية المستقلة التي تضمنت إبداء الولاء القوي لبريطانيا. 

أما اليوم ولاسيما في مقاطعة أونتاريو فلا تزال ذكرى حرب 1812 تحتفظ بأهميتها حيث ساهم النجاح في هزيمة الغزو الأمريكي في بقاء الكنديين جزءاً من الإمبراطورية البريطانية ، وفي عدم ضمها إلى الولايات المتحدة. وتحتفل كندا بذكرى تلك الحرب في العديد من المناسبات كما تقدم دروساً تاريخية عن تلك الحرب ، بالإضافة إلى احتفائها بمئتي عام من السلام على الحدود بين الدولتين الجارتين. 

إعداد وترجمة: حسام مدقه.
إذا أعجبتك المقالة نرجو دعمنا بزيارة إعلانات الموقع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.