الخميس، 31 يناير 2013

ويلكم تو إيجبت - تشاو

من أسفاري إلى قاهرة المعز 


بعد طول غياب دام ثلاثة وعشرين عاماً ، عدتُ إلى مصر الحبيبة وبيدي حافظة الذكريات ، كاميرا رقمية صغيرة. مكثت مع الوالدة العزيزة ثم أفرجت عني بكفالة وعد أن لا أتأخر وأن أنتبه إلى سلامتي. استقللت قطار الأنفاق من محطة حدائق الزيتون وصولاً إلى التحرير ، ولم تتجاوز الرحلة أكثر من خمسة وعشرين دقيقة. 

ترجلت من قطار الأنفاق وخرجت من تحت الأرض مع بقية الركّاب كفورة بركان لطيف فار أمماً لا حمماً ، وتوجهت مباشرة إلى كوبري قصر النيل كي أبدأ بالتصوير. تصوير كل شيء، النيل والناس والمراكب والحناطير ، كل ما هو ثابت ومتحرك. لم تسع الكاميرا فرحتي ، أردت أن أصور وأصور لآخذ معي عند عودتي أكبر قدر ممكن من قاهرة المعز كيلا أنساها. 

بينما كنتُ أصوّر اقترب مني ضابط أمن يحمل جهازاً لاسلكياً. صافحته وعرفته بنفسي ، صافحني وعرفني بنفسه، أخبرني أنه من طنطا ، حييت شعب تلك المدينة فعزيز منهم يكون توأماً لي (يعرف نفسه). عرضتُ أن أصوره رفض لأنه يرتدي زيه الرسمي. 

أكملت التصوير وصوّرت حنطوراً. رآني صاحبه ونادى عليّ طالباً جنيه أو اثنين. قلت له لستُ بسائح بل أبحث عن رزقي مثله ، وعدته إن بعت أياً من تلك الصور أن أعطيه مما يتكرم به الله سبحانه وتعالى عليّ. رضي وسكت وأكملت التصوير. 

وبينما أصوّر النيل بين قضبان سور حديدي مر شاب مع خطيبته سلما عليّ مرحبين بي بمحبة المصريين ودفء ترحابهم المعتاد. قال لي (تشاو ، ويلكم تو إيجبت). تضايقت حين سمعت تلك الكلمات ، أدركت أنني أصبحتُ  غريباً وأنا الذي حييت في مصر شبابي. رمقتهما بنظرة ورددت السلام قائلاً "تشاو مين يا عم صلي على النبي، خلاص ما بقاش نعرف بعض". 

أكمل الشاب وخطيبته الطريق يضحكان ، كأنهما يقولان لنفسهما "إيه الإيطالي اللبط ده". 

ذكرى لا تزال تبهجني لأنها واحدة من لحظات جميلة قضيتها في مصر بين أهلي وأصدقائي. وتؤلمني لأنها تجعلني أدرك كم بقيت عنها بعيداً حتى صرت غريباً ، غريباً غريباً. 

حماك الله يا قاهرة المعز وزادك خيراً على خير ، وأذكر نفسي بقول الرحمن عز وجل ولا تدري نفسٌ بأي أرض تموت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.