الاثنين، 9 فبراير 2015

التاريخ الطويل للصهيونية في كندا


■ تحاول حكومة حزب المحافظين في كندا إقناع الكنديين اليهود بدعم النظرة العالمية الإمبريالية التي يتبناها الحزب. وفي هذا الإطار ، قام رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر مؤخراً بإلقاء كلمة أمام الحفل السنوي للصندوق القومي اليهودي في تورونتو ، المعروف بتاريخه الطويل في إقصاء الفلسطينيين والتمييز ضد من هم من أتباع غير الديانة اليهودية. 

مقتبساً كلمات ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية السياسية ، قال هاربر أمام حشد من أربعة آلاف شخص إن إسرائيل بمثابة "منارة للحرية والديمقراطية في منطقة غارقة في الظلام." 

ثيودور هرتزل
وقبل تلك المناسبة بفترة وجيزة ، كان وزير التوظيف والتطوير الاجتماعي جايسن كيني قد ألقى كلمة بمناسبة إطلاق الفرع الكندي لمعهد البحوث الإعلامية للشرق الأوسط المعروف اختصاراً بـ "ممري" MEMRI والذي أسسه عقيد سابق بالجيش الإسرائيلي ، ويُعنى معهد البحوث هذا بانتقاء مواضيع معيّنة من وسائل الإعلام العربية والإيرانية يتم تحوير ترجمتها بالانكليزية ضمن الجهود الرامية إلى توسيع المصالح الإسرائيلية ، ففي كلمته قال كيني أمام الحضور في معبد شار هاشومايم اليهودي إن "ممري" يُعد سلاحاً سلمياً يروي الحقيقة يُستخدم في صراع حضاري نحن جميعاً طرف فيه."

إن قلة من اليهود الكنديين ، أو غيرهم من الذين يستهدفهم ذلك الخطاب يدركون أن هاربر وكيني لا يأخذان الحديث عن صراع الحضارات بصورة حرفية (وإلا فلماذا عملا اولاً على تعميق الروابط السياسية مع عدد من الحكومات الملكية في الشرق الأوسط ، وثانياً على بيع أسلحة بمليارات الدولارات إلى أحد أكثر نظم الحكم في المنطقة "ظلامية" كالمملكة العربية السعودية.) 

بينما تُعدْ تعليقات ستيفن هاربر الموالية لإسرائيل متطرفة إلى حد معين ، إلا أنها لا تـُعتبر جديدة في التاريخ الكندي. فلأكثر من قرن من الزمن والكنديون غير اليهود يحاولون الترويج لإقامة أرض يهودية في فلسطين. 

وكما هو الحال في أوروبا ، فإن جذور الحركة الصهيونية في كندا هي جذور مسيحية وليست يهودية. فالكنديون الأوائل قاموا بدعم الحركة الصهيونية بناءً على القراءات والتفسيرات الحرفية لما جاء في الإنجيل إثر حركة التصحيح البروتستانتية في المنطقة. 

هنري ونتورث مونك
ففي الوقت الذي تكوّنت فيه الفيدرالية الكندية، كان هنري ونتورث مونك Henry Wentworth Monk من أبرزالمسيحيين الصهاينة ، والذي دعا إلى شراء فلسطين من الإمبراطورية العثمانية عام 1875 ، حيث أسس لذلك صندوق استعادة فلسطين. 

بعد فشل مشروع مونك بسبعة أعوام ، قام بشراء إعلان في جريدة "جويش ورلد" مقترحاً فيه إنشاء "بنك إسرائيل" لتمويل إعادة توطين اليهود. ويصف إرفينغ أبيلا Irving Abella مؤلف كتاب معطف متعدد الألوان: قرنان من
حياة اليهود في كندا Coat of Many Colours: Two Centures of Jewish Life in Canada ، يصف مونك بأنه رجل أعمال غريب الأطوار محترم بين نظرائه ، وأنه تولى إدارة حملة لجمع الأموال في كل من كندا وإنكلترا لشراء الأراضي في فلسطين خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الثامن عشر. ويضيف أبيلا في كتابه بأنه "في عام 1881 اقترح مونك إقامة  صندوق قومي يهودي. كما أصدر العديد من البيانات الرسمية، وكتب مقالات طويلة ، وتحدث في اجتماعات متنوعة ، كما مارس ضعوطات مكثفة في إنكلترا وكندا من أجل تحقيق حلمه."

كما دعا مونك الإمبراطورية البريطانية إلى إقامة سيادة إسرائيلية على غرار السيادة الكندية التابعة للتاج البريطاني. وفي كتاب آخر بعنوان كندا وفلسطين نشر عام 1978 يقول مؤلفه زكريا كاي: إن مونك كان مؤمناً بأن فلسطين هي المركز المنطقي للإمبراطورية البريطانية ، وأنها قادرة على المساعدة في تشكيل كونفيدرالية عالمية للمتحدثين باللغة الإنكليزية." 

لم يعمل مونك بمفرده في كندا ، فالعديد من الساسة الكنديين البارزين عبّروا عن دعمهم للحركة الصهيونية ، مستندين في ذلك على منطق يعتمد على تفسيرات من الديانة المسيحية والفكر المؤيد لبريطانيا. وفي عام 1907، حضر اثنان من وزراء الحكومة الكندية مؤتمر اتحاد الجمعيات الصهيونية الكندية ، وألقيا كلمة قالا فيها أمام الحضور إن الحركة الصهيونية تحظى بدعم الحكومة ، وذلك وفقاً لما سجله المؤلف زكريا كاي في كتابه. 

أرثر ميغن
ويشير زكريا كاي في الكتاب نفسه إلى كلمة ألقاها أرثر ميغن Arthur Meighen المستشار العام آنذاك والذي تولى لاحقاً رئاسة الوزراء الكندية ، قال فيها عام 1915 "إنني أتكلم بالنيابة عن أتباع الديانة المسيحية عندما أعبّر عن تمنياتي بأن يُعجّل الله اليوم الذي تعود فيه ملكية أرض أجدادكم إليكم مرة أخرى. وهي مهمة آمل أن يقوم بها نصير الحرية في العالم ، الإمبراطورية البريطانية." 
لقد كان لإعلان بلفور في عام 1917 والذي أعلنت من خلاله بريطانيا دعمها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين أثره في دعم الحركة الصهيونية في كندا. ففي السنوات التالية لإعلان بلفور قام ساسة كنديون من مختلف الاتجاهات السياسية بحث اليهود (وغيرهم) بصورة مستمرة على مساندة الحركة الصهيونية. مثال على ذلك كان خطاب قدمه رئيس الوزراء الكندي آنذاك المعادي للسامية ماكنزي كينغ في شهر يوليو / تموز من عام 1922 أمام الاتحاد الصهيوني في كندا ، والذي احتوى على مديح مُسرف فيه للصهيونية، بحسب ما جاء في كتاب حمل عنوان كندا وولادة إسرائيل للمؤلف دايفيد بركسن David Bercuson. وأضاف بركسن أن كينغ قال للمشاركين في الاتحاد إن تطلعاتهم تتناغم مع المثل العليا للمواطن الإنكليزي. 

أر بي بنيت
بعد مرور اثني عشر سنة ، قال رئيس الوزراء الكندي أر بي بنيت في خطاب بثته الإذاعة الكندية من المحيط إلى المحيط بمناسبة إطلاق حملة لجمع الأموال من أجل ما أسمي بنداء من أجل فلسطين موحدة ، قال فيه إن إعلان بلفور والغزو البريطاني لفلسطين يمثلان بداية تحقق النبؤات التوراتية.

ووفقاً لكتاب آخر نشر عام 1962 للكندي الصهيوني برنارد فيغلر، يقول بنيت إنه "عندما تكون وعود الله ، والتي تحدث عنها رسله ، هي استعادة الوطن في موطن الأجداد ... فإن النبوءة التوراتية هي قيد التحقق ، وأن عملية إعادة إحياء صهيون قد بدأت."

لذلك فإنه من الضروري أن يتم فهم الحركة الصهيونية اليهودية ضمن المناخ السياسي الذي تعمل من خلاله ، وإدراك أن المناخ السياسي الكندي ساهم بشكل واضح في تعزيز المثل والأهداف الصهيونية. فالإستعمار البريطاني، والصهيونية المسيحية والإيديولوجيا القومية كلها كانت جزءاً من النسيج السياسي لكندا. أضف إلى ذلك أن أغلبية الكنديين في مطلع القرن التاسع عشر ، لم يعتبروا أنه من المستغرب قيام الأوروبيين بالاستيلاء على أرض شعب "متخلّف". فهذا بعينه ما قام به المستوطنون الأوروبيون هنا مع السكان الأصليين لكندا. 

هذا ويناقش عدد من الكتب الخاصة بالمجتمع اليهودي الكندي كيف أصبحت النخبة فيهم، لاسيما بعد إعلان بلفور عام 1917 ، أكثر نشاطاً في الحركة الصهيونية مقارنة بأقرنائهم في الولايات المتحدة. ففي كتاب بعنوان يهود كندا: رحلة شعب Canada's Jews: A people's Journey يكتب جيرالد تالشينسكي Gerald Tulchinsky "لقد عززت الحرب العالمية الأولى الفروقات بين اليهود الكنديين والأمريكيين. فالولاء لقضية بريطانيا على سبيل المثال وفّر للحركة الصهيونية الفرص على نحو تتوازى فيه أهدافها مع الحركة الاستعمارية البريطانية."

إدموند ألنبي
عندما قام الجنرال البريطاني إدموند ألنبي بقيادة حملة عسكرية في نهاية عام 1917 للإستيلاء على فلسطين من العثمانيين ، ضمت تلك الحملة نحو 400 كندي (تم تجنيد نصفهم لتلك المهمة خصيصاً) حاربوا في الكتيبة اليهودية التي أنشأها ألنبي. وكانت وسائل الإعلام تمدح أحياناً الجاليات اليهودية المحاصرة على تبنيها قضية بريطانيا لغزو فلسطين. 
ومنذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948 أعربت حكومات كندية مختلفة دعمها لإسرائيل بدرجات مختلفة ، غير أن البيانات الرسمية العامة التي تمتدح اسرائيل تواصلت بصفة عامة. فقد أشار ليستر بيرسون الذي عمل وزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء ، وبعد رحلة طويلة من دعم الحركة الصهيونية ، أشار إلى أن دولة إسرائيل إذا صح التعبير هي "قاعدة" للغرب في الشرق الأوسط. 


ليستر بيرسون
وهذا أيضاً ما عبر عنه وزير الشؤون الخارجية (دون جايسون) في شهر أكتوبر / تشرين الأول من عام 1977 حين قال "إن إسرائيل هي حليف تتزايد قيمته بشكل مستمر للغرب ، وأنه يتوجب على اليهود وغير اليهود على حد سواء العمل على بقاء إسرائيل ... حليفاً للدول الغربية." مضيفاً "أننا في كندا يجب أن نحرص على أنه عندما تقدم إسرائيل تضحيات غالية ، فإنه يتوجب علينا أن نكون مستعدين لتقديم المساعدة لإسرائيل بالنفط والمساعدات المادية."

إن الحكومة الحالية قد تكون أكثر عدوانية في بياناتها الرسمية مقارنة بأي حكومات كندية سابقة ، وهذا ما ساعد في تكريس الجالية اليهودية في موقع أصبحت فيه أكثر تشدداً. 

فقبل عامين تم تفكيك الكونغرس الكندي اليهودي الذي بلغ التسعين عاماً من عمره على يد المتبرعين له من الأثرياء ، وذلك إفساحاً للمجال أمام تشييد هيئة جديدة تركز بصورة أكبر على الشؤون الإسرائيلية واليهودية ، وهو ما أثار استحسان المحافظين في كندا. كما ساهمت الروابط القوية للمحافظين مع الصهيونية المسيحية على حث مجموعة الضغط الصهيونية "بناي بريث" على تعميق العلاقات مع معهد كندا المسيحي ومع المبشر اليميني البارز تشارلز ماكفتي Charles McVety. 

من جهة أخرى تمكنت القطاعات المناهضة للعنصرية في المجتمع اليهودي الكندي في الوقت نفسه من قطع أشواط طويلة خلال السنوات الأخيرة. فمجموعات مثل الأصوات اليهودية المستقلة Independent Jewish Voices و ليس بإسمنا  Not In Our Name و الصوت اليهودي من أجل السلام Jewish Voice for Peace والشبكة الدولية اليهودية المناهضة للصهيونية The International Jewish Anti-Zionist Network و نساء متضامنات مع فلسطين Women in Solidarity with Palestine و يهود من أجل سلام عادل Jews for a Just Peace ، ساهمت في الإضعاف من الرأي القائل بأن جميع اليهود الكنديين يدعمون السياسة الإسرائيلية أو الصهيونية. إلا أن تلك المجموعات من غير المحتمل أن يكون لها أصوات مؤثرة في المجتمع اليهودي إلى أن يكون هناك تغيير في المناخ السياسي الكندي. 

إن الصهيونية الكندية لطالما كانت جزءاً من المنظومة الدينية والسياسية. وفي أي مجتمع هناك من ينحاز دائماً إلى جانب الأثرياء وذوي النفوذ والسلطة. 

إعداد وترجمة: حسام مدقه
تأليف إيفز إنغلر - غلوبال ريسرتش
إذا نالت هذه المقالة إعجابك نرجو دعمنا بزيارة إعلانات الموقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.